لا يعد الماء فقط أكثر المواد وجوداً على الأرض، بل يعد كذلك أكثرها غرابة، إذ لا تستطيع مادة على سطح الأرض، أن تحل محل الماء أو تقوم بدوره كما لا توجد أي مادة معروفة، حتى الآن لها خصائص مشابهة للماء.
فالماء هو استثناء لكثير من قوانين الطبيعة، وذلك لخصائصه الفريدة الضرورية للحياة.
ولغرابة الماء هذا المركب العجيب اتجه العلماء إلى دراسته والبحث عن استخداماته في المجالات الطبية المتنوعة والمتعددة كعلاج دوائي وعلاج وقائي وباتت فكرة استخدام الماء في الطب الحديث خطوة متقدمة تشكل ضماناً لحصة طبية إيجابية ولا سيما إذا استخدم في سن مبكرة – يمكن قياسها بالأداء اليومي وغياب المرض.. وأصبح الطبيب لا يعتمد على إعطاء المريض الدواء فقط لكن إضافة إلى ذلك يثير انتباهه إلى ضرورة استخدام الماء كعلاج مكمل في الكثير من الأمراض..
ولكن السؤال الذي نريد ان نتناوله في أولى حلقاتنا معكم إذا كان الماء ضرورياً فهل هناك فوائد لعدم شربه في وقت الصيام؟
الدكتور/ جمال محمد الزكي – عضو جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة كانت له دراسة في كتابه (طب المستقبل الدواء في الماء) جاء فيها..
ماذا يحدث أثناء الصيام ؟
إن ما يعتقده العلماء في أن الامتناع عن الطعام والشراب يؤدي إلى تخفيف التناضح (osmolarity) في السائل خارج الخلايا، وهذا بدوره يؤدي إلى تثبيط إفراز الهرمون المضاد لإدرار البول، فيزداد الماء الخارج من الجسم في البول، مع ما يصحبه من صوديوم وبعض الأملاح الأخرى، وفي هذا تهديد لحياة الإنسان إن لم تعوض هذه الأملاح، حيث يعد الصوديوم عنصراً حيوياً في توطيد الجهد الكهربائي عبر جدر الخلايا العصبية، كما أن له دوراً حيوياً في تنبيه وانقباض العضلات، وعند نقصانه يصاب الإنسان بضعف عام في جسمه.
ووجدت علاقة بين العطش وتحلل الجليكوجين، إذ يسبب العطش إفراز جرعات تتناسب وقوة العطش من (هرموني الأنجوتنسين 2 (angiotensin2) والهرمون القابض للأوعية الدموية (vasopressin) واللذين يسببان تحلل الجليكوجين في إحدى مراحل تحلله بخلايا الكبد، فكلما زاد العطش زاد إفراز هذين الهرمونين بكميات كبيرة، مما يساعد في إمداد الجسم بالطاقة خصوصاً في نهاية اليوم.كما أن زيادة الهرمون المضاد لإدرار البول “ADH” المستمر طوال فترة الصيام في شهر رمضان، قد يكون له دور هام في تحسين القدرة على التعلم وتقوية الذاكرة، وقد ثبت ذلك على حيوانات التجارب، لذلك فالقدرة العقلية قد تتحسن عند الصائمين بعكس ما يعتقد عامة الناس.. وتشير إحدى الدراسات التي أجريت على مجموعة من الصائمين أن معدل تناول الماء والسوائل قد انخفض خلال شهر رمضان بشكل كبير عما كان عليه الحال قبله، حيث انخفض معدل تناول السوائل من 3.90لتر/يوم إلى 2.5لتر/ يوم خلال الشهر ويؤدي هذا الانخفاض في كمية السوائل المتناولة إلى التغيير في التوزيع الطبيعي للسوائل داخل الجسم أو ما يسمى بتوازن السوائل Fluid Balance، ويتركز هذا التغيير في الأسبوعين الأولين من الصيام، ويستمر حتى بداية الأسبوع الثالث، حيث يتم تعديل هذا الخلل أو الاضطراب الناشئ عن الفقد المفاجئ للسوائل خلال الأسبوع الثالث، وذلك من خلال عدة من الآليات مثل:
1ـ تقليل كمية البول.
2ـ زيادة تركيز البول من خلال زيادة امتصاص أملاح الصوديوم داخل الكلى.
3ـ تقليل فترة التبول في كل مرة، وبالرغم من حصول اختلال لتوازن السوائل داخل الجسم إلا أن لذلك تأثيراً إيجابياً على صحته، حيث يعتقد أنه مسبب رئيسي لنقص في الوزن خلال تلك الفترة “وهي فترة الأسبوعين الأولين من الصيام” حيث يحصل معظم النقص في الوزن، وقد أثبتت العديد من الدراسات أن نقص الوزن خلال تلك الفترة يعزى أساساً إلى هذا العامل، وأن لدرجة الحرارة والرطوبة ومستوى الجهد البدني المبذول دوراً مهماً في تحديد درجة جفاف الجسم خلال الصيام.
بالإضافة لما سبق نذكر بعض الفوائد الصحية لعدم تناول الماء أثناء الصيام منها:
1ـ أن الحرمان من الماء أثناء الصيام، يسبب زيادة كبيرة في آليات تركيز البول في الكلى، مع ارتفاع في القوة الأزموية البولية قد يصل من “1000 إلى 12ألف” مل أزمو/كجم ماء، وهكذا تنشط هذه الآليات الهامة لسلامة وظائف الكلى.
2ـ إن عدم شرب الماء خلال نهار الصيام يقلل من حجمه داخل الأوعية الدموية، وهذا بدوره يؤدي إلى تنشيط الآلية المحلية بتنظيم الأوعية وزيادة إنتاج البروستاجلاندين “Prostaglandine”، والذي له تأثيرات عديدة وبجرعات قليلة، إذ إن له دوراً حيوياً في نشاط خلايا الدم الحمراء، وله دور في التحكم في تنظيم قدرة هذه الخلايا لتعبر من خلال جدران الشعيرات الدموية، وبعض أنواعه له دور في تقليل حموضة المعدة، ومن ثم تثبيط تكون القرح المعدية كما ثبت في حيوانات التجارب، كما أن له دوراً في علاج العقم، حيث يسبب تحلل الجسم الأصفر، ومن ثم فمن الممكن أن يؤدي دوراً في تنظيم دورة الحمل عند المرأة، كما يؤثر على عدة هرمونات داخل الجسم فينبه إفراز هرمون الرينين، وبعض الهرمونات الأخرى، مثل الهرمون الحاث للقشرة الكظرية وغيره “SH,ACTH”، كما يزيد من قوى استجابة الغدة النخامية “pituary Gland” للهرمونات المفرزة من منطقة تحت الوساد في المخ “Hypothalamus”، كما يؤثر على هرمون الجلوكاجين، على إطلاق الأحماض الدهنية الحرة، كما يوجد البروستجلاندين في المخ، ومن ثم تأثير في إفراز الناقلات للإشارات العصبية، كما أن له دوراً في التحكم في إنتاج أحادي فوسفات الأدينوزين الحلقي “CAMP” والتي يزداد مستواها لأسباب عديدة، تؤدي دوراً هاماً في تحلل الدهن المختزن، لذلك فالعطش أثناء الصيام له فوائد عديدة بطريق مباشر أو غير مباشر نتيجة لزيادة مادة البروستجلاندين، حيث يمكن أن يحسن كفاءة خلايا الدم ويحمي الجسم من قرحة المعدة، ويشارك في علاج العقم، ويسهل الولادة ويحسن الذاكرة ويحسن آليات عمل الكلى وغير ذلك.